ما لذي يجب عمله أمام العدوان السعودي على اليمن؟

المنبر نت-آراء ومقالات

ابوبكر عبدالله *

التدخل السعودي في اليمن سياسيا أو عسكريا لا يمكن أن يكون إلا مفتاحا لأزمات كبيرة فعندما ترتفع حرارة النظام تأتي المهدئات من الشقيقة الكبرى لكنها تكون حارقة ومكلفة وفي أحيان على شكل حرائق عابرة للحدود .ما حدث ويحدث على الحدود اليمنية السعودية لا شك يقدم نموذجا على قدرة النظام في الهروب من الأزمات من طريق اشعال الحرائق فالحرب الضروس التي اشتعلت فجأة على خط الحدود بين الجيش السعودي والحوثيين كانت في الواقع صناعة يمنية سعودية بامتياز لكن الأشقاء كانوا هذه المرة أكثر حنكة وقدرة على خطف ما يريدون قياسا إلى الآخر الذي بدا أشبه بأعمى يقود ذئبا إلى قطيع أغنام على أنه كلب حراسة .

صباح الثلاثاء 3 نوفمبر الماضي أفاق اليمنيون على وقع حرب كبيرة من دون مقدمات عنوانها انتهاك مسلحين حوثيين للسيادة والأراضي السعودية في جبل الدخان ليتحرك بعدها الجيش السعودي بعدته وعتاده مخليا القرى فيما باشرت طائرات التايفون عمليات قصف جوي وبري طاول عمق الأراضي اليمنية وشرد مئات اليمنيين المدنيين من قراهم على خط الحدود من دون أن يتحدث أحد عن انتهاك للسيادة .

في يومين وربما أكثر تداعت الأحداث على الحدود بحرب هيمنت تفاعلاتها على وسائل الإعلام العربية والدولية التي قدمت الحوثيين كدولة عظمى تهدد الجارة الكبرى فاتحة الطريق لعملية عسكرية متعددة الأهداف .

لم يكتف الجيش السعودي في عمليته العسكرية باخلاء جبل الدخان والقرى المجاورة له من المتسللين بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالإعلان أنه لن يوقف قصف المناطق الحدودية إلا بعد أن يتراجع المتمردون لعشرات الكيلومترات من خط الحدود لتكون مناطق يمنية حدودية عدة بما فيها مديريات مثل الملاحيظ وقطابر ورازح وأجزاء من مران خاضعة للهيمنة السعودية .

وطبقا لتقارير منظمات الإغاثة الدولية فقد طردت السلطات السعودية مئات اليمنيين الذين كانوا نزحوا إلى أراضيها ما انتج زحاما شديدا على مخيم المزراق بمحافظة حجة ، أما عمليات التمشيط التي باشرها الجيش السعودي بحثا عن المتسللين فقد تجاوزت الأراضي السعودية إلى مواطني المناطق اليمنية الحدودية وتخطى ضحاياها حاجز الثمانية آلاف معتقل.

صناعة سعودية

الحرب التي صنعها الإعلام السعودي بدت كبيرة ومفاجئة بل وصعقت الجميع حتى أن بعض المسؤوليين اليمنيين كانوا يتابعون أخبارها على الفضائيات باندهاش تماما كما حال العسكريين الذين تابعوا تفاصيلها من محطات الراديو غير مصدقين ما يحدث رغم أنهم على بعد أمتار من الجبهة لكن الجميع كان يشعر أن ثمة تدخل سعودي في الشأن اليمني وانتهاكا للسيادة وربما شعر الجميع بعنجهية سعودية قصمت الظهور.

وحتى اليوم لا يزال الشارع اليمني يعيش فصول صدمة فعملية الغطرسة التي شنها الجيش السعودي على الجانب اليمني من الحدود بذريعة مواجهة تمدد الحوثيين كان مقررا أن تكون خاطفة غير انها تمددت وخرجت عن مسارها بعدما أظهرها الإعلام السعودي الفائق القوة والحضور والتأثير حربا إقليمية لمواجهة تهديد إيراني بدء يلوح على الخاصرة الجنوبية للمملكة.

أدارت السلطات السعودية حربها لتحرير وتأمين الحدود باعلام فائق التأثير تعدى تأثيره الشارع الخليجي والعربي إلى اليمني الذي خضع هو الآخر لحملة دعائية حولت عمليات تسلل لبعض الحوثيين واشتباكهم مع دوريات حرس الحدود في محيط جبل الدخان إلى واحدة من أخطر حروب القرن .

بسبب غياب الإعلام اليمني في هذه التداعيات وتدفق المعلومات من جانب واحد كانت الأنظار متركزة على ما تقوم به المملكة لتأمين حدودها في حين كانت العديد من القرى اليمنية الحدودية قد أخليت من السكان جراء القصف الجوي السعودي الكثيف لتعلن بعدها وسائل الإعلام السعودية أن حملة الاعتقال والمطاردة التي نفذتها دوريات الجيش السعودي أوقفت أكثر من 8 آلاف يمني تم الزج بهم في السجون أو في مخيمات توقيف المتسللين .

وقع المفاجآت في هذه التداعيات لم يتوقف إذ سارعت الرياض إلى الإعلان من جانب واحد جزءا من الشريط الحدودي بين البلدين " منطقة عسكرية " تلاه إعلان من جانب واحد أيضا لمنطقة عازلة لعدة كيلو مترات في داخل الأراضي اليمنية ثم بدأ قواتها حصار بحري في السواحل الشمالية الغربية لليمن وفرضها إجراءات تفتيش لأي سفن قادمة إلى السواحل اليمنية بذريعة منع إمداد السلاح الإيراني للحوثيين .

كل ذلك حدث بصورة سريعة أربكت في في الواقع النظام اليمني كما الشارع الذي وجد نفسه يتابع فصول إنجاز سعودي فاق التوقعات مقابل خذلان وانكسار يمني غير مسبوق .

لماذا الآن ؟

لعقود ظلت أجزاء من الشريط الحدودي البري والبحري بين اليمن والمملكة وبخاصة المأهولة بالسكان مناطق مفتوحة حتى أن اتفاقية جدة الحدودية قضت بإخلائها من المواقع العسكرية لعدة كيلومترات وحددت مناطق رعي وصيد مشتركة تصل إلى عشرين كيلومترا برا تماما كما حال اتفاقية الطائف لكن هذه المناطق تحولت في ليل إلى "منطقة عسكرية سعودية" برا ومنطقة تفتيش ورقابة سعودية بحرا .

في الواقع كان الحوثييون هذه المرة الحقيبة الدبلوماسية التي اخفت الشقيقة الكبرى بداخلها أهداف عمليتها العسكرية على الحدود فخلف الدعم السعودي لليمن في حربه على التمرد وتحركها لمواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة كان ثمة كوفية سعودية تحاك خلف الأكمة اخفت مشروع الرياض القديم الجديد ببناء الجدار العازل على الشريط الحدودي خصوصا بعدما انتجت التداعيات مع الحوثيين مناخا مثاليا لانجازه .

لسنوات ظلت السلطات السعودية حائرة بل وتبحث عن ذريعة لتجاوز العوائق التي فرضتها اتفاقية جدة الحدودية للشروع ببناء جدارها العازل الذي كان موضع اعتراض السلطات اليمنية لكنها في الواقع استثمرت محاولة استدعائها من قبل السلطات اليمنية لمواجهة الحوثيين لتنفيذه بموافقة ومباركة من اليمن .

مناورة افتراضية

قفزا على التفاصيل التي تحدثت بداية عن عمليات تسلل لبعض المسلحين الحوثيين إلى جبل الدخان أدارت الماكينة الإعلامية السعودية القضية على هيئة حرب إقليمية أطرافها تبدأ في صعدة والرياض ووصولا إلى طهران .

لعل البعض يذكر أن وسائل الإعلام السعودية كانت وحدها في مكان الحدث وتنشر تقارير المعارك الدائرة على الحدود بصيغ مبالغ فيها عن ضحايا بالمئات وعمليات إخلاء واسعة طاولت البشر والماشية وحتى العقارب والأفاعي ومن فوق الرؤوس كانت مئات الصواريخ والقذائف تنهال على الحدود اليمنية ليتحول جبل الدخان فجأة إلى أرض سعودية منتهكة حتى أن صنعاء تناست أنها كانت حتى قبل أيام قليلة تقول أن الجبل أرض يمنية مسيطر عليها من قبل الجيش.

وبعد أيام من خضوع الشارع اليمني لأكبر وأخطر عملية دعاية إعلامية سعودية يظهر الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودي بتصريحات أعلن فيها أن ما حدث ليس حربا وإنما " عملية تعقب لمتسللين" متحدثا عن حصيلة هزيلة في مقتل ثلاثة جنود وجرح 15 باصابات طفيفة وفقدان أربعة مختتما تصريحاته بالإعلان عن إقامة منطقة عسكرية على الحدود .

أنكشف الغطاء إذا فالهدف من الحملة العسكرية المباغتة لم يكن الخطر الحوثي الإيراني بل التأسيس لواقع جديد يساهم في أعادة الحياة للمشروع السعودي المتعثر على الحدود وهو بناء الجدار العازل الذي كان يحتاج إلى عملية كبيرة تخلط الأوراق وتحول منطقة الحدود المشتركة منطقة عسكرية سعودية تسكت الأصوات المعارضة وتتيح انجاز هذا المشروع الذي طالما جوبه بمعارضة يمنية وعربية ودولية وتحولت فجأة إلى تأييد واسع النطاق !

لماذا كل هذا ؟

حالت معاهدة الحدود (جدة 200) التي أفرد لها ملحقا خاصا هو الملحق الرابع دون طموحات النظام السعودي في تنفيذ مشروع الجدار الفاصل بين البلدين خصوصا وأن الملحق جعل المناطق الآهلة حدودا مفتوحة تحكمها تقاليد وأعراف سكان المناطق الحدودية كما تضمن بنودا تمنع البلدين من أقامة قواعد عسكرية أو حشد قوات على مسافة أقل من عشرين كيلو مترًا على جانبي الحدود ما حال دون مضي الرياض في مشروعها لسنوات .

لكن الوضع تغير تماما بعد إقحام صنعاء الرياض في حربها ضد الحوثيين إذ اتاح التدخل العسكري السعودي في المنطقة واقعا جديدا ساعدها في إعلان هذه الخط الحدودي منطقة عسكرية بل و"منطقة قتل " وفقا لتصريحات نائب وزير الدفاع السعودي لتتجاوز الرياض بذلك محنة كبيرة طالما واجهتها في مشروعها العملاق .

من المجازفة القول أن السعوديين حشدوا قواتهم على الحدود ليحلوا محل قوات الجيش اليمني في حربها ضد الحوثيين فهم يدركون ماذا تعني حرب العصابات التي أرهقت الحكومة اليمنية منذ العام 2004 كما يعرفون تماما ماذا تعني لهم جبال صعدة التي كانت الجدار حال ذات يوم من مشاريع إسلافهم التوسعية في ثلاثينات القرن الماضي وفوق ذلك فهم يدركون أن تورطهم في حرب قد تكون مذهبية في منطقة ملتهبة مثل صعدة مثخنة بمشاعر التعبئة المذهبية والأحقاد والثأرات ربما يحولها إلى بركان قد يزيد من حجم الضغوط التي تعانيها كدولة لها سجل حافل في قمع الحريات الدينية والمذهبية .

لعل أحدا من اليمنيين بما فيهم المحللون عجزوا تماما عن فهم ما يدور فالتدخل السعودي بالمستوى الذي بدا عليه خلال الأيام الماضية كان آخر الاحتمالات الممكنة في معادلة الصراع بصعدة لكن السعوديين في المقابل كانوا أذكياء للغاية في إدارة هذه الأزمة التي أظهرت عدم كفاية النظام اليمني في إدارة الأزمات مع الخارج خصوصا وهم نجحوا تماما في فرض واقع جديد أتاح لهم فرصة تنفيذ ما يريدون تحت غطاء الدفاع عن السيادة .

ماذا جنت اليمن ؟

يمكننا من اليوم إذا الحديث عن سجل حافل بالخسائر من جانب اليمني أولها ما حملته تصريحا نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان الذي أعلن قبل أيام بكل ثقة أن " المملكة لن توقف ضرباتها الجوية إلا بعد أن يتراجع الحوثيين عشرات الكيلومترات داخل حدود اليمن في حين أنه يعلم أن الحوثيين ليس لهم وجود في مناطق الشريط الحدودي في حين أنه أكد "استعداد الجيش السعودي إبادة أيا من كان إن حاول التسلل إلى الأراضي السعودية ليغلق بذلك ربما إلى الأبد قضية بالغة الحساسية لدى سكان الحدود من الجانب اليمني الذين كانت معاهدات الحدود أتاحت لهم مميزات خاصة في التنقل والنشاط التجاري الرعوي بين البلدين فيما صاروا اليوم تحت طائلة النيران السعودية .

ومن المؤكد أن أي تغيير في التركيبة الديمغرافية بمناطق الحدود لن يكون مقصورا على على الحدود في محافظة صعدة فقط بل سيمتد إلى مناطق أخرى في حضرموت وشبوة وحجة وعلى السهل التهامي وهكذا دواليك .

أكثر من ذلك في تصوري يكمن في تصريحات المسؤول السعودي التي قال فيها إن عودة أهالي القرى السعودية الحدودية التي تم اخلاؤها مساءلة متروكة للتقديرات السياسية ما يعني أن المنطقة الحدودية بين البلدين قادمة على مشروع خطير للغاية يستهدف إحداث تغيير قسري في تركيبتها الديمغرافية ربما لحسم قضايا من نوع ملكية الأرض والمساكن وتحديد الانتماء والتوطين والخصائص السكانية وآليات التوزيع لمجتمعات سكان الحدود .

ما يؤيد ذلك أن مئات اليمنيين من سكان المناطق الحدودية أخلوا قراهم هربا من القصف السعودي فيما أختار آخرون اللجوء إلى المملكة كمواطنين سعوديين بعدما جعل الجيش السعودي المنطقة خالية إلا من بارود الصواريخ وقذائف المدفعية فيما أكملت الدوريات السعودية التي باشرت حملات اعتقال طاولت الآلاف ما تبقى .

ويبدو الحديث عن الخسائر أشبه بطوفان فمن جانب آخر خلف التدخل السعودي في الحدود اليمنية وإن لم تتكشف أبعاده الحقيقة للناس اليوم حال احتقان في الشارع الذي شعر أن هناك انتهاكا للسيادة تحت غطاء الحرب على المتمردين .

وأكثر من ذلك الشعور بالخذلان خصوصا وأن السلطات السعودية لم تكلف نفسها الكثير للتخفيف من حدة الشعور المتعاظم لدى الناس بانتهاك السيادة فلغة الغطرسة والعنجهية كانت هي السائدة في تصريحات المسؤوليين السعوديين في حين وسائل الإعلام السعودية من طراز الدرجة الثانية تسويق وعود خجولة وتطمينات عن الأمن والتكامل بين اليمن ومحيطة الخليجي وإعادة أحياء مشروع الاندماج في مجلس التعاون إلى دعوتها دول مجلس التعاون انتشال اليمن من كبوته وإدماجه وتجاوز حدود الأمنيات إلى الشراكة الاقتصادية والتأهيل .

لعلنا في الأيام القادمة سنقف مليا أمام المزيد من السيطرة السعودية على المناطق اليمنية الحدودية مقابل أمنيات بمشاركة الجيش السعودي نظيره اليمني الحرب على الحوثيين للقضاء على التمرد وربما وعود بفتح الطريق للعمالة اليمنية إلى السعودية وتحسين أوضاع المغتربين والدفع باستثمارات سعودية إلى اليمن لكن هيهات فيما ستكون الشقيقة الكبرى قد استكملت أكبر جدار خرساني في التاريخ سيضع بلا شك أحلام اليمن في الاندماج مع دول مجلس التعاون في خبر كان .

.....................//

Abubkr.a@gmail.com

المصدر: صحيفة النداء * 


0 التعليقات:

إرسال تعليق